فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة لغوية:

قال الفخر:
قال الزجاج: {ما} في تأويل الشيء، أي نعم الشيء هو، قال أبو علي الجيد: في تمثيل هذا أن يقال: ما في تأويل شيء، لأن ما هاهنا نكرة، فتمثيله بالنكرة أبين، والدليل على أن ما نكرة هاهنا أنها لو كانت معرفة فلابد لها من الصلة، وليس هاهنا ما يوصل به، لأن الموجود بعد ما هو هي، وكلمة هي مفردة والمفرد لا يكون صلة لما وإذا بطل هذا القول فنقول: ما نصب على التمييز، والتقدير: نعم شيئًا هي إبداء الصدقات، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (272):

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما حث سبحانه وتعالى على وجوه الخير ورغب في لزوم الهدى وكان أكثرهم معرضين، لأن ما دعا إليه هادم لما جبلوا عليه من الحب لتوفير المال والحفيظة على النفس، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الأسف عليهم دائم القلق من أجلهم لعظيم رحمته لهم وشفقته عليهم، فكان يجد من تقاعدهم عما يدعوهم إليه من هذه الحالة العلية التي هي حكمة الله التي رأسها الإيمان بالله واشتراء الآخرة بكلية الدنيا وجدًا شديدًا، خفض سبحانه وتعالى عليه الأمر وخفف عليه الحال فقال: {ليس عليك} أي عندك {هداهم} حتى تكون قادرًا عليه، فما عليك إلا البلاغ، وأما خلق الهداية لهم فليس عليك ولا تقدر عليه {ولكن الله} الذي لا كفوء له هو القادر على ذلك وحده فهو {يهدي من يشاء} فظهر من هذا أنه يتعين أن يكون عليك بمعنى عندك ومعك ونحو ذلك، لأن لكن للاستدراك وهو أن يكون حكم ما بعدها مخالفًا لما قبلها وكلام أهل اللغة يساعد على ذلك، قال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي: في حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما: كنت أضحي بالجذع وعلينا ألف شاة، معناه: وعندنا ألف شاة، تقول العرب: علينا كذا وكذا، أي مننا- فسره قاسم؛ انتهى.
وهو يرجع إلى القدرة كما تقول: عليّ رضى فلان، أي أنا مطيق لذلك قادر على حمله، فالمعنى: لست تقدر على إيجاد الاهتداء فيهم أصلًا وإنما ذلك إلى الله سبحانه وتعالى فهو يهدي من يشاء فيفعل ما يقدره سبحانه له من وجوه الهدى من نفقة وغيرها.
قال الحرالي ما معناه: إن الأنصار رضي الله تعالى عنهم من أول مراد بهذه الجملة لأنه سبحانه وتعالى جعل فيهم نصرة دينه.
ولما كان المقصود الأعظم في هذه الحكمة وهذا الهدى إنما هو الهدى للتوسل إلى الجواد بالجود بالنفس والمال النائل عمومًا القريب والبعيد والمؤمن والكافر بمنزلة المطر الجود الذي يأخذ السهل والجبل حتى كان هذا الخطاب صارفًا لقوم تحرجوا من الصدقة على فقراء الكفار وصلة قراباتهم منهم فحملوا على عموم الإنفاق- انتهى.
فقال سبحانه وتعالى: {وما تنفقوا من خير} أي مال ومعروف على مؤمن أو كافر يحل فعل ذلك معه ولو قل «لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» {فلأنفسكم} كما قيل له صلى الله عليه وسلم عن شاة ذبحت: ذهبت أي بالهدية والصدقة إلا رقبتها! فقال: بقيت إلا رقبتها! فهو يفهم أنكم إن بخلتم أو مننتم فإنما تفعلون ذلك بأنفسكم.
ولما كان الكلام في النفقة مع المؤمنين المنفقين وفي سبيل الله وعبر عنها بالخير وكل ذلك إشارة إلى الإخلاص الحري بحال المؤمن فقال: {وما} أي والحال أنكم ما {تنفقون إلا ابتغاء} أي إرادة.
ولما كان تذكر الوجه لما له من الشرف أدعى إلى الاجتهاد في تشريف العمل بإحسانه وإخلاصه قال: {وجه الله} أي الملك الأعظم من سد خلة فقير أو صلة رحم مسلم أو كافر تجوز الصدقة عليه لا لأنفسكم ولا غيرها بل تخلصًا من إمساك المال بأداء الأمانة فيه إلى عباد الله لأنهم عباده، هذا هو الذي يدعو إليه الإيمان فلا يظن لمؤمن أن يفعل غيره وذلك يقتضي البعد جدًا عن الأذى والرياء وكل نقيصة والملابسة لكل ما يوجب القبول من الكمال الحسي والمعنوي.
ولما كان الإيقان بالوفا مرغبًا في الإحسان ومبعدًا من الإساءة والامتنان خوفًا من جزاء الملك الديان قال: {وما تنفقوا من خير} أي على أي وجه كان وبأي وصف كان التصدق والمتصدق عليه {يوف} أي يبالغ في وفائه بالتضعيف واصلًا {إليكم وأنتم لا تظلمون} أي لا يقع عليكم ظلم في ترك شيء مما أنفقتموه ولا في نقص مما وعدتموه من التضعيف إن أحسنتم والمماثلة إن أسأتم. اهـ.

.قال أبو حيان:

ومناسبة تعلق هذه الجملة بما قبلها أنه لما ذكر تعالى قوله: {يؤتي الحكمة من يشاء} الآية اقتضى أنه ليس كل أحد آتاه الله الحكمة، فانقسم الناس من مفهوم هذا إلى قسمين: من آتاه الله الحكمة فهو يعمل بها، ومن لم يؤته إياها فهو يخبط عشواء في الضلال.
فنبه بهذه الآية أن هذا القسم ليس عليك هداهم، بل الهداية وإيتاء الحكمة إنما ذلك إلى الله تعالى، ليتسلى بذلك في كون هذا القسم لم يحصل له السعادة الأبدية، ولينبه على أنهم وإن لم يكونوا مهتدين، تجوز الصدقة عليهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} استئناف معترض به بين قوله: {إن تبدوا الصدقات} [البقرة: 271] وبين قوله: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم}، ومناسبته هنا أنّ الآيات المتقدمة يلوح من خلالها أصناف من الناس: منهم الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ومنهم الذين يبطلون صدقاتهم بالمَنّ والأذى، ومنهم الذين يتيمّمون الخبيث منه ينفقون، ومنهم من يعَدهم الشيطان الفقرَ ويأمرهم بالفحشاء.
وكان وجود هذه الفرق مما يَثقل على النبي صلى الله عليه وسلم فعقّب الله ذلك بتسكين نفس رسوله والتهوين عليه بأن ليس عليه هُداهم ولكن عليه البلاغ. اهـ.

.سبب النزول:

.قال القرطبي:

روى سعيد بنُ جبير مُرْسَلًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في سبب نزول هذه الآية أن المسلمين كانوا يتصدّقون على فقراء أهل الذمّة، فلما كثُر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتصدّقوا إلاَّ على أهل دينكم» فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دِين الإسلام.
وذكر النقّاش: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بصدقات فجاءه يهوديّ فقال: أعطني. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ليس لك من صدقة المسلمين شيء».
فذهب اليهوديّ غير بعيد فنزلت: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه، ثم نسخ الله ذلك بآية الصدقات.
وروى ابن عباس أنه قال: كان ناس من الأنصار لهم قرابات من بني قُرَيظة والنَضَّير، وكانوا لا يتصدّقون عليهم رغبة منهم في أن يُسلموا إذا احتاجوا، فنزلت الآية بسبب أُولئك.
وحكى بعض المفسّرين أن أسماء ابنة أبي بكر الصدّيق أرادت أن تصل جَدَّها أبا قُحافة ثم امتنعت من ذلك لكونه كافرًا فنزلت الآية في ذلك.
وحكى الطبريّ أن مقصد النبيّ صلى الله عليه وسلم بمنع الصدقة إنما كان ليُسلموا ويدخلوا في الدين، فقال الله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}.
وقيل: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} ليس متصلًا بما قبلُ، فيكون ظاهرًا في الصدقات وصرفها إلى الكفار، بل يحتمل أن يكون معناه ابتداء كلام. اهـ.

.قال ابن العربي في سبب نزول الآية:

وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَصَدَّقُوا إلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ»، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ}.
الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا لَا يَرْضَخُونَ لِقَرَابَاتِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَوَّلَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ. الثَّانِي: «أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ أُمَّيْ قَدِمَتْ عَلَيَّ رَاغِبَةً وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: صِلِي أُمَّك»؛ فَإِنَّمَا شَكُّوا فِي جَوَازِ الْمُوَالَاةِ لَهُمْ وَالصَّدَقَةِ ذَوِي الْقُرْبَى الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهُمْ. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

والمعنى على جميع الروايات: ليس عليك هدى من خالفك حتى تمنعهم الصدقة لأجل أن يدخلوا في الإسلام، فتصدق عليهم لوجه الله، ولا توقف ذلك على إسلامهم، ونظيره قوله تعالى: {لاَّ ينهاكم الله عَنِ الذين لَمْ يقاتلوكم في الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ} [الممتحنة: 8] فرخص في صلة هذا الضرب من المشركين. اهـ.
وقال الفخر:
إنه صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على إيمانهم كما قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ على آثارهم إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفًا} [الكهف: 6] {لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] وقال: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128] فأعلمه الله تعالى أنه بعثه بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ومبينًا للدلائل، فأما كونهم مهتدين فليس ذلك منك ولا بك، فالهدى هاهنا بمعنى الاهتداء، فسواء اهتدوا أو لم يهتدوا فلا تقطع معونتك وبرك وصدقتك عنهم، وفيه وجه آخر: ليس عليك أن تلجئهم إلى الاهتداء بواسطة أن توقف صدقتك عنهم على إيمانهم، فإن مثل هذا الإيمان لا ينتفعون به، بل الإيمان المطلوب منهم الإيمان على سبيل التطوع والاختيار. اهـ.
وقال الفخر:
ظاهر قوله: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} خطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكن المراد به هو وأمته، ألا تراه قال: {إِن تُبْدُواْ الصدقات} [البقرة: 271] وهذا خطاب عام، ثم قال: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} وهو في الظاهر خاص، ثم قال بعده {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ} وهذا عام فيفهم من عموم ما قبل الآية وعموم ما بعدها عمومها أيضًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} أي لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إلى فعلِ ما أُمروا به من المحاسن والانتهاءِ عما نُهوا عنه من القبائح المعدودة وإنما الواجبُ عليك الإرشادُ إلى الخير والحثُ عليه والنهيُ عن الشر والردعُ عنه بما أوحي إليك من الآياتِ والذكرِ الحكيم. اهـ.